المرأة السعودية.. السعي نحو الأهلية الكاملة و استحقاق المساواة
نوفمبر 11, 2014 أضف تعليق
بقلم: هالة الدوسري
النسخة المختصرة من هذا المقال منشورة في مجلة المجلة في العدد الخاص بملف المرأة 2014
يأتي السؤال عن موقع المرأة كمواطنة كاملة الأهلية في المجتمع السعودي كدافع أساسي خلف مبادرات الحراك النسوي على اختلافها، ويثير تفرّد بعض مبادرات الحراك النسوي في إطار “حق قيادة السيارة” مثلا العديد من الأسئلة حول أولويات الحراك النسوي السعودي و دوافعه المختلفة، و لفهم هذه الدوافع و توصيفها بدقّة فلابد من فهم العوامل التاريخية و الثقافية المشكّلة لهذا الحراك، يستعرض هذا المقال أهم العوامل المؤثرة على الحركات النسوية و نتائجها في محاولة لوصف طبيعة الحراك و ملامحه…
فلسفة الدولة في العلاقة مع المرأة
يمكن تلخيص فلسفة الدولة المتّبعة في قضايا المرأة بأنها ناشئة غالبا عن ثلاثة جذور: الأعراف القبلية الأبوية و البعد الديني السلفي للدولة و أخيرا الطفرة المادية المصاحبة لبدايات إنشاء الدولة و مؤسساتها…
يتّسم الطابع القبلي المحلّي بالأبوية، و هي نظام اجتماعي قائم على اعتبار أولوية الرجل بحكم مسؤوليته عن النساء و الأطفال و الملكيات، تستمر سلطة الرجل و امتيازاته في النظام الأبوي باستمرار خضوع النساء و قبولهن، ومع تحوّل النساء في الدولة السعودية الحديثة من حياة البداوة و الرعي إلى حياة المدنية تعززت مظاهر الأبوية و تبعيّتهن للرجال عبر ثقافة مؤسسات الدولة من تعليم و إعلام و منابر دينية ووعظية، و ترجم ذلك سياسيا على شكل “نظام الولاية”، وهو اشتراط إذن ولي أمر رجل مسبقا لحصول النساء على الفرص و الخدمات و على معظم حقوقهن في الدولة، في نظر المشرّع و صانع القرار كان دور المرأة الأسري هو الدور المحوري، و شكّل هذا الارتباط بين المرأة و وولي أمرها الذكر عائقا حقيقيا أمام حراك النساء و مطالبتهن بحقوقهن، فمن ناحية احتاجت الناشطات لدعم أولياء الأمور للحصول على التعليم و الفرص الوظيفية و اختيار الزواج و حرية التعبير و تقرير المصير عموما، و من ناحية أخرى كان اتخاذهن لمواقف مغايرة لرغبات أولياء أمورهن في الحراك و المطالبة مرادفا لخطر تقييدهن و حرمانهن من الحراك، و في الغالب كان النمط الرسمي في التعامل مع الناشطات هو مساءلة أولياء أمورهن و اتخاذ إجراءات نظامية كتوقيع التعهدات لمطالبة الأولياء بضمان توقّف الناشطات عن المطالبة و الفعل، مما حجّم كثيرا من إقبال النساء على الانخراط في الحراك، العلاقة مع الدولة لم تكن فعلا مباشرا بين النساء و السلطة و لكن كانت عبر وسيط أو ولي أمر ذكر بغض النظر عن مدى دعمه أو استعداده لتحمل نتائج مطالبات النساء في أسرته لمزيد من الحقوق، هذه العلاقة الثلاثية تفسّر أحد أهم أسباب ضعف أدوات الفعل المباشر “تقييد حرية الإرادة” لدى ناشطات الحراك النسوي و اقتصارها على الكتابة و الترويج للفكرة و من ثم توقّفها بمجرد الحاجة للفعل و المواجهة و بمجرد تدخّل السلطة و إقحام أولياء الأمور…
و من ناحية أخرى كانت فكرة “أبوية” الدولة مترجمة فعليا في انفراد المسؤولين في تقدير السياسات و تحجيم المشاركات العامة -و النسوية خصوصا- و التحكّم في أشكال العمل المدني بإنشاء و تعيين هيئات مراقبة و تعزيز الحقوق و إدراجها ضمن المؤسسات الحكومية و اختزال مفاهيم الحقوق المدنية في تقديم الخدمات الحكومية كالتعليم و الصحة و الإعانة الاجتماعية مما أسهم في إضعاف الحراك المدني و النسوي خصوصا في مجالات مكافحة أنماط التمييز بسبب النوع الاجتماعي و تفكيك البنية الأبوية و نظام الولاية كمسبّب جذري لمعظم الانتهاكات في حقوق النساء…
قيود الحراك النسوي و أبوية الدولة
استندت شرعية الحكم في الدولة منذ البداية إلى الالتزام بالشريعة وفق رؤية متشدّدة، و لم يكن هناك رمزية أكثر من المرأة لإبراز ملامح هذا الالتزام مجتمعيا، فكانت المبالغة في إخفاء المرأة و اعتبارها فتنة و تخصيص هيئات رسمية لمراقبتها في الأماكن العامة من مظاهر هذه الرؤية الدينية، تدريجيا أصبح الفضاء العام -حيث تكمن القوة وتصنع القرارات العامّة وتتشكل ثقافة المجتمع- مخصّصا للرجال، وتعزّز بالتالي اعتماد النساء على الرجال اقتصاديًّا ومعنويًّا للوصول للخدمات والفرص، و في بحث هام حول هذا التحوّل في المجتمع السعودي استعرضت إيميلي لورونار[1] تأثير الانتقال للمدن على تعزيز سياسات الفصل بين الجنسين، و ما تبعه ذلك من خطاب جديد لتمكين النساء يشترط خلق فرص لهن في فضاءات موازية للنساء فقط و بالتالي استمرار انفراد الرجال بصناعة القرار، و عرض البحث لحجّة الخطر من التحرّش كتبرير مجتمعي لممارسات الفصل بين الجنسين، و ظهرت بالتالي المفارقات بين نساء المدن في محدودية مشاركتهن العامّة و استقلالهن بالرغم من تمكينهن التعليمي و بين نساء القرى في عملهنّ في المزارع و قيادتهن للمركبات في مظاهر لا يمكن تفسيرها سوى بتأثير السياسات العامّة في تحوّل القيم حول حدود حياة المرأة…
أثّرت أبوية مؤسسات الدولة و ممارسات الفصل القسري بين الجنسين على الحراك النسوي فكانت الفضاءات المنفصلة عبر الكتابة و الظهور الأثيري و المنافذ الإعلامية المحدودة هي الفضاء الممكن فعليا للحراك و المطالبات، فعلى سبيل المثال كان الحراك النسوي الداعم لمنهجية الدولة و رؤيتها السلفية هو الأقوى حضورا، فلم تجد خطابات النسويات خارج النسق السائد أرضا مماثلة لمنافسة النشاط الممنهج لترسيخ تبعية المرأة من محاضرات و مؤتمرات و مراكز بحثية و خطب دينية تعمل جميعها على تعزيز “النموذج الديني السلفي” للمرأة، و لأن معظم ما أتيح للناشطات لم يتعدّ حدود الفضاءات الإلكترونية و بعض المنافذ الإعلامية المحدودة فلم يسهم ذلك فعليا في زيادة شعبية خطابهن المغاير للنموذج التقليدي السلبي للمرأة و إعادة صياغة الوعي حوله كما فعل في المقابل الخطاب التقليدي حول المرأة في التعليم و الإعلام الرسمي، وأصبحت أهم عقبات العمل المدني صعوبة الوصول للنساء لنشر الوعي بالمشاركة المدنية في ظل منع الجمعيات المدنية من العمل و عدم إمكانية توفر منافذ عامة يمكن فيها استقطاب النساء و العمل معهن مباشرة بالإضافة لخشية الناشطات من الملاحقة الأمنية لعملهن خارج الإطار الرسمي…
أما الوفرة المادية –و التي ساهمت في خدمة التنمية للدولة منذ بداياتها- فقد ساهمت أيضا في تحويل القوى البشرية إلى قوى مستهلكة بلا إنتاج فعّال، في بحثه “النفط، الإسلام، و النساء” حلّل مايكل روس[2] تأثير الموارد الماليّة على غياب و تهميش النساء و تعزيز الأبوية في المجتمعات العربية، و خلص إلى أنّ الإسلام كتطبيق و مباديء ليس هو المسؤول أساسا عن تدنّي و محدودية مشاركة النساء، و لكن توفّر الموارد المادية هو ما أثّر على العلاقات بين الجنسين سلبيا بحيث أسهمت مع الوقت في قلّة استثمار طاقات النساء في الاقتصاد و تشجيع وفرة إنجاب الأطفال –و بالتالي تقييد النساء في فضاء الرعاية و الأسرة-، و انخفاض معدلات استمرار الفتيات في التعليم و تأثيرهنّ في الأسرة بشكل عام، و بالتالي أدّى استثناء النساء من المشاركة العامة و عزلهن مع الوقت إلى انخفاض مشاركتهن للمعلومات و عدم تطويرهن إلى أي حراك جماعي فعّال لحل مشكلاتهن…
تاريخيًّا كانت المشاركة الفاعلة للنساء بكل ما تعنيه من قوة التأثير وتعديل السياسات وتغيير نمطية أدوار النساء خطوة تابعة لتمكينهن التعليمي و الاقتصادي، مما يضع النساء أمام تحدٍّ حقيقي في الوصول لتمكين اقتصادي يتخطى الحواجز الأسرية المفروضة عليهن بسبب نظام الولاية واشتراطه للحصول على التأهيل أو التنقل أو العمل…
لم يكن تعليم البنات في السعودية بغرض تأهيلهن لسوق العمل و الكسب بداية، و لم يتحول لاستثمار فعال في تطوير قدرات النساء ومنحهن كامل القدرة على المشاركة في كل مجالات الحياة، لكن كان موجّهًا منذ البداية لتعزيز “النموذج الديني” للمرأة السعودية، وتكريس الصورة النمطية عن المرأة الزوجة و الأم و قصر نشاطاتها العامة على مجالات الرعاية المرتبطة بمفهوم دور المرأة محليا كالتعليم و الصحة، وغاب النموذج المدني الحديث للمرأة المتعددة الأدوار والقادرة على المشاركة في كل المجالات، و انعكس ذلك الغياب في انخفاض ملحوظ للمشاركة الاقتصادية للنساء و توظيفهن بحيث لم تصل إلى أكثر من 17% -في أدنى المعدلات العالمية، وتركّزت في غالبها في قطاعات التعليم والصحة، و بالتالي يمكن فهم تأثير قوة التمكين الاقتصادي في نجاح الحراك النسوي، حيث قامت مجموعة من الناشطات من سيدات الأعمال السعوديات باستهداف عدد من العوائق أمام المشاركة الاقتصادية للنساء، و نتج عن حراكهن عدد من الإنجازات كرفع اشتراط ولي الأمر و الوكيل عن مزاولة النساء للعمل الحرّ و المهنيّ و إشراك النساء في انتخابات و عضوية الغرف التجارية و حملات تشغيل النساء في الأعمال التجارية و الأسواق، قوة المرأة على المفاوضة في الأسرة و إحداث تغيير في مجالات عملها ترتبط مباشرة بقدرتها على الكسب و الوصول لبيئات العمل…
دائرة الفعل و التنفيذ في الحراك النسوي
كنتيجة لمحدودية فرص العمل المدني و المنافذ و الحركة أمام الناشطات السعوديات لم تعمل الناشطات بشكل ممنهج و مباشر سواء مع أصحاب المصلحة من عموم النساء أو مع أجهزة الدولة، و كانت السياسات العامّة و تعديلها أو تغييرها تنبع دوما من أعلى الهرم بلا نوافذ متاحة للمشاركة، بالإضافة لذلك كانت الاستجابة السياسية لمطالبات النساء تتّسم بطابع ردّ الفعل بدلا من المبادرة، و عكست مجموعة من التصريحات الرسمية لمسؤولين بالدولة سياسة “رد الفعل” المتّبعة في الاستجابة السياسية للمطالب النسوية و ربطها بجاهزية المجتمع، أدّت سياسة ردّ الفعل و عدم الاستجابة للمطالب النسوية المطروحة بشكل موضوعي عبر القنوات الرسمية إلى تحوّل الحراك من حيّز الكتابة و المخاطبة إلى حيّز الفعل و التنفيذ، في كتاب السادس من نوفمبر تحكي إحدى الناشطات عن شعورها بالغبن لسماح الدولة بقيادة المجنّدات الأمريكيات في نواحي الرياض و المنطقة الشرقية و منعها كمواطنة من حقّها في القيادة، وفي السياق نفسه تضع ناشطة أخرى عدم الاستجابة و تغييب النساء كدوافع لتحوّلها لدائرة الفعل “كان الموضوع بالنسبة لي أكبر من أن يكون مسألة قيادة، إنه هذا الكم الهائل من البشر –النساء- الذي يجب أن يعيش إنسانيته الحقيقية، وأن يمارس حقوقه, وأن يعبّر عن نفسه، وأن يقول أنا موجود هنا وموجوع هنا فاسمعوني، إننا نحتاج أن تمدوا أيديكم لنا، كانت هذه القضية الحقيقية”…كان اليأس من استجابة صانع القرار لمطالب النساء برفع التمييز هو الدافع دائما للتحوّل للفعل و لتخطي القيود التقليدية المفروضة على النساء و على العمل المدني، و على ذات المسار تحوّلت مطالبات قيادة المرأة واحتجاج طالبات جامعة الملك خالد على تدني مستويات العناية و الاهتمام و عدم الاستجابة إلى مطالبهن إلى حراك منظم و موثّق على المواقع الاجتماعية…
و كنتيجة للتأخير أو عدم الرغبة في الاستجابة فغالبا ما اضطرّ المسؤول لاتّخاذ رد فعل غير مدروس للتعاطي مع تفاعلات المطالب، حيث كان تأخر التعاطي مع المطالب سببا في ترك المجال مفتوحا للتيارات التقليدية لقمع أي تقدّم في الملف النسوي، في حملة قيادة 26 أكتوبر الأخيرة مثلا لم تصدر أي إشارات سياسية سلبية طيلة فترة الحملة و بالرغم من أن المجتمع –برموزه الإعلامية و النسوية و حتى المسؤولين كبعض أعضاء و عضوات الشورى- كان مهيّئا لتبني موقف سياسي داعم لمطلب استمرّ لأكثر من 23 عاما، إلاّ أنّ تراخي صاحب القرار في حسم الموقف أدّى إلى زيادة تصعيد رد فعل التيار الديني التقليدي المعارض للتغيير في ملف المرأة و تنظيمه لاعتصام مجموعة من المشايخ امام الديوان الملكي لمواجهة مطالب رفع الحظر عن القيادة و إخمادها، صدر بعدها الرفض الرسمي للمطلب بالرغم من تفهّم وزير الداخلية –بحسب ما صرّح به لناشطات- لاحتياج النساء للحركة و للعبء المترتب على منعهن…
في المقابل كان لبعض أشكال الحراك النسوي طابعا مختلفا كما في استقطاب النساء مثلا لدعم حقوق الرجال و قضاياهم كإحدى تجلّيات نظام الأبوية، شهدت بعض المدن السعودية خروج النساء و الأطفال للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين من أقاربهم بلا أحكام قضائية على خلفية الاشتباه في التنظيمات الجهادية أو التكفيرية، فمن ناحية مثّلت هؤلاء النساء -في الغالب- النموذج الديني التقليدي بما يعكس قيم الوعظ المحلي تماما، ومن ناحية أخرى كان اعتصامهن في مواجهة السلطة -كفعل نسوي ثوري خارج عن قيود الولاية و الوصاية على المراة و معارضا لمبدأ حجبها و عزلها- موجّها للدفع بحقوق للرجل، هذا التناقض المسموح به حول حرية المراة في التعبير و الفعل لخدمة قضايا الرجل تكرّر من التيارات الدينية بنفس المشهد كما في خروج النساء و الفتيات للمواجهة مع السلطة بعد عزل الجيش لحكم الإخوان في مصر، في رمزية معبّرة عن إمكانية رفع القيود المفروضة على حراك النساء إن كان يعزّز قوة و سلطة الفكر الأبوي التقليدي…
الفرص المتاحة و مستقبل العمل النسوي
بالرغم من القيود المفروضة على العمل المدني النسوي إلا أن هناك فرصا متعددة لنجاح الحراك النسوي، يمكن إجمالها في المتغيّرات المحلّية و الإقليمية الداعمة و توافر الإرادة السياسية العالمية للدفع بحقوق النساء…
محليا يشكّل نمو الطبقة الشابة المتعلمة من النساء بأعداد كبيرة عامل ضغط هام لتغيير مسار المشاركة العامّة للمرأة، تأهيل النساء علميا لسوق العمل سيضعهن مباشرة أمام السياسات التمييزية المعيقة لتمكين النساء كإمكانية التنقّل و توفّر الخدمات المساندة لعمل الأمهات و حق الاقتراض من مؤسسات الدولة و الاستثمار المادّي بلا قيود الوكيل أو ولي الأمر و القدرة على التقاضي و اللجوء للعدالة و غياب السلطة المتساوية في الأسرة و على الأطفال، حيث ارتبطت أغلب المطالب النسوية تاريخيا باحتياجات النساء العاملات، كمطلب القيادة و إلغاء شرط ولي الأمر و الوكيل لممارسة العمل الحرّ و المهني و تجنيس أبناء المواطنات السعوديات المتزوجات من أجانب –وهن غالبا متزوجات من زملاءهن في العمل- و حماية الأطفال من العنف -وهي حملة بدأتها طبيبات أطفال- و مشاركة النساء في الانتخابات البلدية -و هي حملة أنشأتها سيدات أعمال و أكاديميات- و أخيرا حملة إصدار التصاريح للمحاميات…
أما القيود على حريات تشكيل العمل المدني فلم تمنع النساء من الاجتماع لبحث همومهن المشتركة و التنسيق لعمل جماعي، و المثال الأبرز بالطبع هو حملة القيادة الأخيرة و التي تم التواصل فيها و استقبال المشاركات بالاعتماد على تطبيقات الإعلام الإلكتروني المختلفة، بالإضافة إلى أن الأعراف و الأنماط التي تحدّ من تمكين النساء كالزواج المبكر و القضاء الذكوري في قضايا الأحوال الشخصية لم يعد يتمّ قبولها كمسلّمات لا يمكن فعل شيء بصددها كما كان في السابق بسبب زيادة الوعي و مشاركة الخبرات النسوية حولها، و أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي و تطبيقاته تشهد نقاشا مستمرا حول قضايا المرأة و مطالبها لكون المرأة احد محركات هذا التفاعل الأكثر احتياجا و تقييدا، و بالتالي وفّرت هذه الأدوات الحديثة البيئة الخصبة التي أشار إليها مايكل روس في بحثه لتبادل الخبرات بين النساء و معرفة مواقعهن في المجتمع و التفكير المشترك بحلول لمشكلاتهن…
و بسبب الأنظمة الشمولية في الدولة فإن الحراك عبر الشراكات و تحت مظلة العمل الرسمي لا يحمل خطر الملاحقة و تشويه المطلب كما في الحراك المستقل، كما يمنح قوة تأثير عبر توسيع دائرة التلقّي، و يبقى الأمر الأهم في بناء الشراكات مع مسؤولي الدولة هو في الاحتفاظ بأحقية الناشطات في المساهمة الفعّالة في أيّ عمل مشترك، المثال الأفضل كان في حملة بلدي لدعم مشاركة النساء بالانتخابات البلدية و التي بدأت كعمل مدني مستقل لمجموعة محدودة من الناشطات ثم استطاعت عبر شراكة مع وزارة الشؤون البلدية و القروية تنظيم مجموعة من ورش العمل الرسمية للنساء تحت إشراف الحملة المباشر، كان ذلك تحوّلا ناجحا بالنظر إلى رفض وزارة الشؤون القروية و البلدية المسبق لمشاركة النساء في انتخابات المجالس البلدية فضلا عن القيام برعاية تدريبهن…
كما توفّر إمكانية تبادل التجارب المشتركة بين الناشطات فرصا إضافية للنجاح، إقليميا تمثّل البيئات الخليجية و العربية نماذج ثرية و سابقة للحراك، حيث استفادت ناشطات محليات في مجال قوانين الأحوال الشخصية و الإرث من خبرات نسوية سابقة في البحرين و الإمارات في نقد البنود و اقتراح التفصيلات و ذلك استعدادا لمقترح محلي و لغرض توعية النساء بالتعاطي القانوني مع مشكلاتهن الشخصية، دوليا يوفّر استخدام آليات الأمم المتحدة فرصا للدفع بالحقوق و زيادة الوعي بمنهجية تطبيقها و تبنّيها سياسيا و إعلاميا عبر مشاركة الناشطات في أنشطة التوثيق و الرصد و المراسلة مع الجهات المعنية، و يسجّل للناشطات رصدهن لتقارير الظل و تقارير أصحاب المصلحة حول أوضاع النساء و في بيئة عمل شديدة الغموض و التقييد منذ العام 2008 و حتى الآن، في العام 2013 حضرت مسألة الولاية و التمييز ضد النساء في تعليقات معظم الدول على أداء السعودية في المراجعة الدورية الشاملة و ذلك بناء على تقارير أعدّتها الناشطات، و كانت دورة مراجعة حقوق الإنسان الأولى قبل خمسة سنوات قد انتهت بوعد من وفد السعودية بإلغاء فرض نظام الولاية على الراشدات بحلول الدورة القادمة وهو ما لم يتمّ الوفاء به حتى الآن، المناخ العالمي الجديد ممثّلا بالقوانين و المؤسسات الدولية مناخ داعم لتمكين النساء للرفع بمستوى الاقتصاد و الصحة و ضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة عالميا، و ليس أدلّ على ذلك المناخ الإيجابي من تحوّل الإدارة المعنية بحقوق المرأة في الأمم المتحدة من جهة محدودة إلى مجلس عالمي يصدر مناهج معتمدة و دراسات و تقارير للدفع بالتمكين و يخصّص مقرّرة خاصة لمراقبة ممارسات التمييز العنف ضد المرأة في الدول الأعضاء بغرض مكافحتها و دراسة مسبباتها…
و لا توجد بالطبع وصفة مثالية يمكن للناشطات تبنّيها في الانتقال لتمكين النساء في السعودية و لكن يسهم كل حراك نسوي في الدفع بالمطالب و يخلق معه أدوات و ردود أفعال تنقّحه و تراكمه و تزيد من تأثيره، و حتى يملك الحراك النسوي في السعودية الزخم المطلوب لإحداث نقلة نوعية في أوضاع النساء فإن العمل التراكمي و بناء التجربة المحلية عبر خبرات و حراك الناشطات و النشطاء هو الطريق المتاح لتحقيق هذه النقلة…
يصعب في هذا المقام حصر كل أشكال الحراك وتجلياته لكنه يبقى في محوره -وبالرغم من خصوصيته- ساعيًا كبقية الحراك النسوي في كل مكان في العالم لإعادة تعريف المرأة ككائن مساوٍ للرجل في الاستحقاقات والفرص، ولتوضيح أن أدوار النساء الأسرية ليست مبررًا لحرمانهن من المشاركة العامّة ومن حريتهن التامّة في الاختيار وتقرير المصير، ولوضع علاقة المرأة مع أشكال السلطة في الدولة في إطارها الصحيح كعلاقة مواطنة وليس كعلاقة أبوية أو رعوية تفرض شروطها وقيودها و رؤيتها المختلفة عن طموحات النساء و إمكاناتهن في مقابل السماح لهن ببعض الحقوق و الفرص…
[1] “النساء و الفضاءات العامّة في المملكة العربية السعودية” إيميلي لورونار، عن الشبكة العربية للأبحاث و النشر
[2] Michael Ross, “oil, Islam, and women”, in American Political Science Review, Vol.102, No. 1, 2008.