خواطر شاب سعودي

لا شيء أكثر استفزازا من ادعاء العلم و محاولة إقناع جمهور من البسطاء بلا أي منطق سليم و لا وعي جاد بمصائب جديدة تضاف إلى مصائبنا حتى تكتمل المأساة، لذلك السبب بالذات لا أتنقل كثيرا بين برامج التلفزيون العربية خارج نطاق البرامج الإخبارية و أسعد أحيانا بالبرامج الحوارية و لو كانت مسنتنسخة عن برامج عالمية إذ تكشف لنا جانبا ولو بسيطا من شخصياتنا العربية المغمورة بين زحام و زخم الممثلين و المطربين و أشباههم و غوغاء برامجهم التي لا تنتهي، ولكنني توقفت بالخطأ عند “خواطر شاب” و الذي لا أعلم هل هو فكرة مستنسخة عن برنامج عالمي أم لا و لكنها بالتأكيد ذات نكهة عربية شديدة السذاجة، يقدم الشاب في خواطره إحصاء ما لا أدري مدى دقته عن تزايد عدد النساء العوانس في المملكة فوق الثلاثين عاما، و يؤكد الشاب أن السبب هو ضعف موارد الشباب حديثي التخرج للإقدام على مشروع الزواج…لم أستطع أن أتوقف لحظة لاستيعاب العلاقة بين الشاب حديث التخرج الذي لا يستطيع الزواج في بداية حياته و بين النساء العوانس فوق الثلاثين عاما حيث عاجلنا الشاب بمفاجأة أخرى ذكرتني ببرامج هالة سرحان الشهيرة عن مدى انتشار العادة السرية و الشذوذ الجنسي بين الشباب و البنات بل أنه قام باستطلاع بين الشباب و البنات على شاشة التلفزيون حيث قدم كل ضيف و ضيفة وجميعهم من الشباب السعودي نسبة تقريبية لانتشار الشذوذ و العادة السرية تقدر بين 50 و حتى 80 في المائة بين الشباب و الشابات على حد ذاكرتي المزدحمة حاليا، و لا أدري هل أصبحت العادة السرية جهرية أم ماذا حيث يفتي الجميع بمدى انتشارها،  أما الاستنتاج الذي توصل إليه الشاب و قدمه في خواطره في الحلقة حول سر انتشار هذه العادات هو في عدم إقدام كل أسرة على تزويج ابنها في الخامسة عشرة  وهو السن الأنسب للزواج من الناحية الفسيولوجية، و يقترح على كل أسرة أن تبدأ بتزويج شبابها صغارا وأن لا تلقي بالا إلى ادعاءات تصريف طاقات الشباب في النشاطات الرياضية مما يعني بالضرورة  أن يتولى رب الأسرة الإشراف على الأسر الجديدة جميعا في عائلة واحدة سعيدة تعيش في منزل كبير تتحقق فيه الخصوصية لكل زوجين صغيرين كما تشرف الأم فيه على أولادها و على زوجاتهم و ينفق الأب فيه على الأم و الأولاد و على كل شخص يصل للخامسة عشرة و يفتتح بدوره أسرة جديدة و ملحقاتها، و لنا أن نتخيل مدى إمكانية تطبيق ذلك في الأسرة السعودية التي يبلغ متوسط أبناءها خمسة أطفال إن لم يكن أكثرو ما أجمل أن يتم استخدام مقتطفات من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كالعادة لتأكيد هذا المنطق و تمريرهذه الأفكار، و بعيدا عن الإمكانية الفعلية  لتطبيق هذه النصيحة من الناحية المادية و المعنوية فقد فات على الشاب مقدم الحلقة وهو يندفع في خطبة عصماء عن أهمية الأخذ بنصيحته و إلا فسدت أخلاق الشباب أن يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج حتى بلغ الخامسة و العشرين ولم يبحث عن الحاجة الفسيولوجية بقدر ما بحث عن الاحتواء و الحنان لدى السيدة خديجة رضي الله عنها كما لم يصرح الرسول لمن لا يملك المال بالزواج بل أوصاه بالصوم لأن الزواج في عالم الواقع وليس التلفزيون ينوء بالأعباء المادية التي لا يشكل المهرو الحفلات الذي يعتقد الشاب والضيوف بأنه سبب عدم الزواج شيئا منها ، العبء الحقيقي الذي يواجه الشاب هو قوامة الزوج على أسرته الجديدة من زوجة و أطفال ماديا و معنويا وتربويا، على الشاب بالطبع أن يتحمل الإنفاق المادي على الأسرة الجديدة بتوفير أبجديات الحياة الكريمة من مسكن و ملبس و علاج و تعليم و فواتير و غيرها، ليست الحياة مجرد حاجات فسيولوجية ينبغي علينا تلبيتها و الانصياع لها و إلا تفشت بيننا العادات السرية و الانحراف، ففي مقابل كل تلبية لحاجة ما هناك ثمن وعبء ينبغي أن نبذله، و يمكن بالطبع أن تكون الصورة التي قدمها الشاب للزواج المبكر ممكنة في وسط معين من العائلات و التي تمتلك الإمكانيات المادية و لكن حتى لو تمكن شبابها من الزواج في الخامسة عشرة يتبقى هناك قدرا لا يستهان به من المحاذير بالنظر إلى ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعاتنا، فهل القدرة على الإنفاق كافية لإنجاح الزواج، ألا يلزم قدرما من النضج و الوعي للتعامل مع شريكة و شريك جديد و مع ضغوطات جديدة تفرضها طبيعة الزواج، نحن أبناء ثقافة لا تعطي قدرا من الوضوح أو الحدود العادلة في توقعات كل من الشريكين من الآخر و في تعاملات الأهل مع الزوجين مما قد يفسر معاناة العديدين وفشلهم غالبا في تحقيق معاتي الزواج التي أجملها القرآن في المودة و الرحمة، الإسلام واضح في موانعه و محاذيره ولا يمكن تبرير تفشي الانحلال بعدم الاستطاعة على الزواج في فترة المراهقة، كما يمكن البحث عن أسباب الانحرافات لدى المراهقين في مجتمع مثل مجتمعنا تمنع فيه مسببات ومداخل الشهوات و ينشط فيه الوعظ الديني،  وإذا كانت الإحصائيات التي قدمها الشاب صحيحة من حيث عدد العوانس فوق الثلاثين و مدى تفشي الانحرافات السلوكية بين المراهقين و المراهقات فنحن أمام مصيبتين مختلفتين تحتاج كلا منهما إلى دراسة دقيقة،  أما محاولة عمل ارتباط ما بين زيادة نسبة عنوسة النساء فوق الثلاثين و بين ارتفاع متطلبات الزواج فهذا أمر خال من المنطق و من الحقيقة، فالنساء فوق الثلاثين لسن من الأهداف المحتملة للشباب حديث التخرج في بحثه عن زوجة، كما أن توفير الإمكانات المادية للشباب لن يؤدي بالضرورة إلى زواج سعيد، ربما كان من الأفضل أن يتم بحث الأسباب الحقيقية و الواقعية لعزوف النساء عن الزواج و تشجيع الرجال على السعي الجاد في العمل و الكسب وتحمل المسؤولية لتحقيق رغباتهم بالزواج، و ربما كان من الأفضل أيضا أن يتم توضيح طبيعة الزواج ومسؤوليته عند تشجيع المراهقين بكل حماسةعلى الإقدام عليه، أتخيل الآن قدر الحرج الذي سيواجه والد كل شاب في الخامسة عشرة شاهد البرنامج و تحمس لطلب الزواج من والده كما لا أستطيع بالطبع إلا أن أتساءل عن مدى الرقابة و الإعداد في مثل هذه البرامج و التي تحمل بكل حسن نية وسوء تقدير لواء النصيحة في مجتمع ينوء بمصائب سلوكية وثقافية ويحلم بمن ينتشله منها وليس بمن يزيدها تعقيدا …

أضف تعليق